فصل: تابع سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 وفي ثاني عشرى رمضان

قدمت الحرة بنت السلطان أبي الحسن علي بن عثمان ابن يعقوب المريني صاحب فاس تريد الحج ومعها جمع كبير وهدية جليلة إلى الغاية نزل لحملها من الإسطبل السلطاني ثلاثون قطاراً من بغال النقل سوى الجمال وكان من جملتها أربعمائة فرس منها مائة حجرة ومائة فحل ومائتان بغل وجميعها بسروج ولجم مسقطة بالذهب والفضة وبعضها سروجها وركبها من الذهب وكذلك لجمها وكان جملتها أيضاً أبقار عدتها اثنان وأربعون رأساً ومنها سرجان من ذهب مرصع بجوهر وفيها اثنان وثلاثون بازاً وفيها سيف قرابه من ذهب مرصع وحياصة ذهب مرصع وفيها ستمائة كساء وغير دلك من القماش الغالي‏.‏

وكان قد خرج المهمندار إلى لقائهم وأنزلهم بالقرافة قرب مسجد الفتح وهم جمع كبير جداً‏.‏

وكان يوم طلوع الهدية من الأيام المذكورة ففرق السلطان الهدية على الأمراء بأسرهم على قدر مراتبهم حتى نفدت كلها سوى الجوهر واللؤلؤ فإنه اختص به فقدرت قيمة هذه الهدية بما يزيد على مائة ألف دينار‏.‏

ثم نقلت الحرة إلى الميدان بمن معها ورتب لها من الغنم والدجاج والسكر والحلوى والفاكهة في

كل يوم بكرة وعشية ما عمهم وفضل عنهم‏.‏

فكان مرتبهم في كل يوم عدة ثلاثين رأساً من الغنم ونصف أردب أرزاً وقنطار حب رمان وربع قنطار سكراً وثماني فانوسيات شمع وتوابل الطعام وحمل إليها برسم النفقة مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم وكانت أجرة حمل أثقال ركبها قد بلغت ستين ألف درهم‏.‏

ثم خلع على جميع من قدم مع الحرة فكانت عدة الخلع مائتين وعشرين خلعة على قدر طبقاتهم حتى على الرجال الذين قادوا الخيول‏.‏

وحمل إلى الحرة من الكسوة ما يجل قدره وقيل لها أن تملي ما يحتاج إليه فقالت إنه لا يعوزها شيء إنما تريد عناية السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا‏.‏

فتقدم السلطان إلى النشو والي الأمير آقبغا بتجهيزها اللائق بها فقاما بذلك واستخدما لها السقائين والضوية وهيئا كل ما تحتاج إليه في سفرها من أصناف الحلوى والسكر والدقيق والبشماط وطلبا الجمالة لحل جهازها وأزودتها‏.‏

وندب السلطان معها جمال الدين متولي الجيزة وأمره أن يرحل بها في ركب لها بمفردها قدام المحمل ويمتثل كل ما تأمر به وكتب لأميري مكة والمدينة بخدمتها أتم خدمة‏.‏

وفيه تجهز الأمير بشتاك والأمير ألطنبغا المارديني وخوند طغاي زوجة السلطان وست حدق وعدة من الدور ومن الخدام لسفر الحجاز‏.‏

وفيه قرر الأمير علم الدين سنجر الجاولي شهاب الدين أحمد العسجدي في تدريس الحديث بالقبه المنصورية بين القصرين بعد وفاة زين الدين عمر بن الكتاني‏.‏

فتعصب عليه القضاة وجماعة من شيوخ العلم وطعنوا في أهليته ورفعوا قصة للسلطان بالقدح فيه‏.‏

فلما قرئت على السلطان بدار العدل سأل السلطان من القضاة عنه فثلبه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة فقام الجاولي بمعارضة القاصي وأثنى عليه فرسم السلطان أن يعقد له مجلس ويطالع بأمره‏.‏

فاجتمع القضاة وكثير من الفقهاء بالمدرسه المنصورية وجبه بعضهم الجاولي بالغض من العسجدي ورماه ركن الدين محمد بن محمد بن القوبع بأنه لحن في قراءة الفاتحة ثلاث مرات فقام قاضي القضاة حسام الدين الغوري في نصرة العسجدي وأثنى عليه وقال‏:‏ أنا أحكم بأهليته لهذه الوظيفه فدار بينه وبين ابن جماعة مقاولة فيها فحش وانفضوا على ذلك‏.‏

فأعلم الغوري طاجار الدوادار بأن القوم تعصبوا على العسجدي وأنه يحكم بأهليته فبلغ ا‏!‏ سلطان ذلك‏.‏

فلما حضرا سأل السلطان عما جرى في المجلس من ابن جماعة والجاولي فتفاوضا وعارض كل منهما الآخر فمال السلطان إلى قول ابن جماعة ومنع العسجدي من التدريس‏.‏

فشق ذلك على الجاولي وهم بعزل نفسه من نظر المارستان فحذره الأمراء عاقبة ذلك‏.‏

وفيها عمل جسر بالنيل على حكر ابن الأثير وسببه أن الميل قوي على ناحية بولاق خارج القاهرة وهدم جامع الخطيري حتى احتيج إلى تجديده وحتى احتيج إلى أن رسم السلطان للسكان على شاطئ النيل بعمل الزرابي لجميع تلك الدور وألا يؤخذ عليها حكر‏.‏

فبنى صاحب كل دار زربية تجاه داره فلم يفد ذلك شيئاً‏.‏

فكتب بإحضار مهندسي البلاد القبلية وبلاد الوجه البحري فلما تكاملوا ركب السلطان النيل وهم معه وكشف البحر‏.‏

فاتفق الرأي على أن يحفر الرمل الذي بالجزيرة حتى يصير خليجاً يجري فيه الماء ويعمل جسر في وسط النيل يكون سداً يتصل بالجزيرة فإذا كانت زيادة النيل جرى الماء في الخليج الذي حفر وكان قدامه سد عال يرد الماء إليه حتى يتراجع النيل عن سد القاهرة إلى بر ناحية منبابة وعاد السلطان إلى القلعة‏.‏

وخرجت البرد من الغد إلى الأعمال بإحضار الرجال للعمل صحبة المشدين وطلبت الحجارون بأجعهم لقطع الحجارة من الجبل - وكانت تلك الحجارة تحمل إلى الساحل وتملأ بها المراكب وتغرق المراكب وهي ملأنة بالحجارة حيث يعمل الجسر -‏.‏

فلم يمض عشرة أيام حتى قدمت الرجال من النواح فتسلمهم الأمير آقبغا عبد الواحد والأمير برسبغا الحاجب‏.‏

ورسم لوالي القاهرة ووالي مصر بتسخيرهم للعمل فركبا وقبضا على عدة كثيرة منهم وزادا في ذلك حتى صارت الناس تؤخذ من المساجد والجوامع في السحر ومن الأسواق فتستر الناس ببيوتهم خوفاً من السخرة‏.‏

ووقع الاجتهاد في العمل واشتد الاستحثاث فيه حتى إن الرجل كان يخر إلى الأرض وهو يعمل

لعجزه عن الحركة فتردم عليه الرمال فيموت من ساعته‏.‏

واتفق هذا لخلائق كثيرة جدا وآقبغا راكب في الحراقة يستعجل المراكب المشحونة بالحجارة والسلطان ينزل إليهم ويباشرهم ويغلظ على آقبغا ويحمله على السرعة واستنهاض العمل حتى أكمل في مدة شهرين‏.‏

وغرق فيه اثنا عشر مركباً وسق كل مركب ألف أردب‏.‏

وكانت عدة المراكب التي أشحنت بالحجارة المقطوعة من الجبل - ورميت في البحر حتى صار جسراً يمشي عليه ثلاثة وعشرين ألف مركب حجر سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسرياقات والحلفاء ونحو ذلك‏.‏

وحفر الخليج بالجزيرة فلما زاد النيل جرى في الخليج الذي حفر وتراجع الماء حتى قوي على بر منبابة وبر بولاق التكرور فسر السلطان بذلك‏.‏

وفيها استأذن الأمير ملكتمر الحجازي والأمير يلبغا اليحياوي السلطان في المسير إلى الإسكندرية بطيور السلطان الجوارح ليتصيدا في البرية‏.‏

فرسم للنشو بتجهيزهما فخاف من دخولهما إلى الإسكندرية أن يبلغهما عنه من أعدائه ما إذا نقلاه للسلطان تغير عليه‏.‏

فعرف النشو السلطان أن مراكب التجار قد وصلت وأنه يحتاج إلى السفر حتى يأخذ ما عليها للديوان ويقوم أيضاً بخدمة الأميرين فأذن له في السفر فسافر من ليلته‏.‏

وبدا للسلطان أن يبعث الأمير بشتاك بالطيور - ومعه الأمير قماري أمير شكار والأمير ألطبغا المارديني - ويعوض يلبغا والحجازي بركوب النيل في عيد الشهيد فسافر الأمراء الثلاثة‏.‏

وكان عيد الشهيد بعد يومين فركب يلبغا والحجازي المراكب في النيل للفرجة وخرجت مغاني القاهرة ومصر بأسرها وتهتكوا بما كان خافياً مستوراً من أنواع اللهو وقد حشر الناس للفرجة من كل جهة‏.‏

وألقى الأمراء للناس في مراكبهم من أنواع الأشربة والحلاوات وغيرها ما يتجاوز الوصف فمرت ثلاث ليال بأيامها كان فيها من اللذات وأنواع المسرات ما لا يمكن شرحه‏.‏

ولما قدم الأمراء بالطيور إلى ظاهر الإسكندرية أخرج النشو إلى لقائهم عامة أهلها بالعدد والآلات الحربية وركب إليهم حتى عبروا المدينة فكان يوماً مشهوداً‏.‏

ثم خرجوا بعد يومين وقد قدم النشو لهم من الأسمطة وأنواع القماش ما يليق بهم‏.‏

وأخذ النشو في مصادرة أهل الإسكندرية وطلب عشرة ألاف دينار من الصيارفة قرضاً في ذمته وطلب من ثلاثة تجار عشرة ألاف دينار ثم إنه غرم ابن الربعي المحتسب بها خمسة آلاف دينار سوى ما ضرب عليه الحوطة من موجوده وضربه ضرباً مبرحاً وسجنه فمات بعد قليل في السجن ثم عاد النشو إلى القاهرة‏.‏

وقدم الخبر من ماردين بكثرة جمع الشيخ حسن الصغير وأولاد دمرداش وأنهم على حركة لحرب طغاي بن سونتاي بديار بكر فإذا بلغوا مرادهم منه عدوا الفرات إلى أخذ حلب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرى شوال‏:‏ قدم موسى بن مهنا طائعاً وقدم عدة خيول وورد صحبته طائفة من عرب البحرين بخيول قومت بمبلغ خمسمائة ألف وستين ألف درهم وقومت خيل موسى بخمسمائة ألف درهم سوى ما جرت العادة به من الإنعام عليه وأنعم عليه بعشرين آلف دينار أيضاً‏.‏

وقومت من جهة أهل برقة بأربعمائة ألف درهم وقومت مماليك وجواري قدم بها التجار بستمائة ألف درهم‏.‏

وكانت جملة ذلك كله ما عدا ما أنعم به على موسى بن مهنا ألفا ألف درهم وستون ألف درهم منها مائة ألف دينار مصرية ونيف وعشرين ألف دينار وأحيل بذلك على النشو‏.‏

ولما كمل قصر يلبغا وقصر المارديني جاءا في أحسن هيئة فإن السلطان كان ينزل إليهما بنفسه ويرتب عمارتهما‏.‏

فعمل أساس قصر يلبغا أربعين ذراعاً وبسطه حصيراً واحداً فجاء مصروفه أربعمائة ألف درهم‏.‏

وكان جملة المصروف على هذا القصر أربعمائة ألف ألف وستين ألف درهم من ذلك لازورد خاصة بمائة ألف د رهم‏.‏

فركب السلطان إليه يوم فراغه وأعجب به وأنعم على يلبغا بتقدمة طرغاي الطباخي نائب حلب وفيها عشرة أزواج بسط - منها زوج بسط حرير - وعدة أواني بلور وغيره وعدة خيول وجمال بخاتي‏.‏

وتقدم السلطان إلى الأمير آقبغا عبد الواحد بعمل سماط في قصر يلبغا فنزل إليه ونزل النشو أيضاً حتى تهيأ ذلك وحضر الأمراء كلهم فأكلوا وشربوا يومهم إلى العصر‏.‏

ثم خلع السلطان على أحد عشر أميراً أحد عشر تشريفاً أطلس‏.‏

وأركبوا الخيول بسروج الذهب وخلع على بقية الأمراء ما بين خلع كاملة وأقبية وأركبوا أيضاً الخيول المثمنة بسروج الذهب والفضة على قدر مراتبهم‏.‏

وتولى السلطان تعبية ذلك بنفسه فكان مهماً عظيماً‏:‏ ذبح فيه ستمائة رأس من الغنم وأربعون رأساً من البقر وعشرون فرساً وعمل فيه برسم المشروب ثلاثمائة قنطار من السكر‏.‏

وفي يوم الإثنين سابع عشرى رمضان‏:‏ هبت ريح سوداء معتمة بناحية الغربية وأظلم الجو منها وسقطت دور كثيرة‏.‏

ثم سقط برد أسود مر الطعم حاءت به الريح من نحو البحر حتى ملأ الطرقات ووزنت منه واحدة فكانت مائة وثمانين درهماً ووجد فيه واحدة على قدر النارنجة وعلى قدر بيض النعام وما دون ذلك إلى قدر البندقة‏.‏

وكان الزرع قد قرب حصاده فرمى سنبله وحصد كثير منه من أصله وهلكت منه أغنام كثيرة‏.‏

ورؤيت شجرة جميز في غاية الكبر وقد سقط في وسطها برده على هيئة الرغيف وهي سواء - فشقتها نصفين كما يشق المنشار ووجدت بقرة مطروحة قد قطع ظهرها ببردة شقته نصفين‏.‏

وتلفت زروع ثمانية وعشرين بلداً فجمع زرعها وحمل إلى السلطان مع فلاحيها واستغاثوا بالسلطان فرسم لمتولي الغربية أن يكشف تلك النواح ويحرر ما أصابتها الجائحة منها ويحط خراجه عن

وفيه قدم البريد من قوص بأن السماء احمرت في شهر رمضان هذا حتى ظهرت النجوم متلونة فكانت تحمر ساعة وتسود ساعة وتبيض ساعة إلى أن طلع الفجر فجاء مطر لم يعهد في تلك البلاد‏.‏

وقدم البريد أيضاً بأنه هبت ريح بأسوان ألقت عامة البيوت وكثيراً من النخل وهبت أيضاً بعرب قمولة فألقت ألفين وخمسمائة نخلة مثمرة وقدم بذلك محضر ثابت على قاضيها‏.‏

وخرج ببلاد منفلوط فأر عظيم جداً فحصد الزرع حصداً وأتلف جرون الغلال بحيث كان يذهب ربع الجرن في ليلة واحدة‏.‏

فصار الناس يبيتون بالمشاعل على طول الليل وهم يقتلون الفأر ثم يتولى أمر النهار طائفة أخر وهم لا يفترون عن قتله ثم يحمل ما قتل منه في شباك ويحرق بالنار على بعد وفيهم من يلقيه إلى النيل فأفاموا مدة شهرين يحملون في الشباك كل يرم نو مائة حمل‏.‏

وشوهد منه عجب‏:‏ وهو أن جمعاً عظيماً من فيران بيض خرجوا حتى ملاوا الأرض فخرج مقابلهم فيران سود واصطفوا صفين في أرض مساحتها فدنان ثم تصايحوا وحمل بعضهم على بعض واقتتلوا ساعة وانكسرت الفيران السود وتبعهم البيض يقتلونهم حتى مزقوهم في تلك الأراضي وكان بمحضر عالم كبير من الناس فكتب بذلك إلى السلطان والأمراء فانكسر للسلطان بناحية منفلوط بسبب الفأر نحو ستين ألف أردب فول‏.‏

وفيها رفعت قصة إلى السلطان تتضمن أن الأمير ملكتمر الحجازي يركب النيل ومعه أرباب

الملاهي في عدة من المماليك السلطانية وأنهم يفعلون كل فاحشة ويأخذون حرم الناس‏.‏

فاشتد غضب السلطان وطلب الحجازي وأخرق به وهدده بالقتل إن عاد يركب النيل وأخرج السلطان ممن كان يعاشره من المماليك ستة وثلاثين رجلاً إلى البلاد الشامية على البريد من يومهم وأخرج من الغد أربعين مملوكاً من أصحابه بسبب شربهم الخمر وفيها تقدم السلطان إلى ولي القلعة ألا يمكن أميراً من النزول إلا بمرسوم وأمر نقيب الجيش فدار على الأمراء كلهم وأعلمهم ألا ينزل أحد منهم من القلعة إلا بمرسوم السلطان ومن نزل فلا يبيت إلا بالقلعة‏.‏

وركب أمير مسعود الحاجب - ومعه والي القاهرة - وهدم مرامي النشاب التي بناها الأمراء لرمي النشاب خارج القاهرة وطلب جميع صناع النشاب ومنعهم من عمل النشاب الميداني وبيعه لسائر الناس وأمر بدكاكين البندقانيين فغلقت ومنع من عمل أقواس البندق وبيعها وقصد السلطان بذلك كف أسباب اللهو فإنه كان يكره من يلعب ويلهو عن شغله وخدمته‏.‏

وفيها شفع الأمير موسى بن مهنا في لؤلؤ وغيره من المصادرين فرسم السلطان لشاد الدواوين بكتابة أسمائهم - وكانوا خمسة وثلاثين رجلاً ومنهم قرموط وأولاد التاج فأفرج عنهم أما خلا قرموط وأولاد التاج‏.‏

وفيها أنشأ الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسة بجوار الجامع الأزهر وكان موضعها دار الأمير ابن

الحلي وألزم الصناع بالعمائر السلطانية أن يعملوا فيها يوماً من الأسبوع بغير أجرة فكان يجتمع في كل أسبوع بها كل صانع بالقاهرة ومصر ويعملون نهارهم‏.‏

وحمل لها أقبغا جميع ما يحتاج إليه من عمائر السلطان وأقام بها من مماليكه شادا لم ير أظلم منه فعسف الصناع وضربهم‏.‏

وفيها توقفت زيادة النيل عندما قرب الوفاء ثم نقض فارنفع سعر الغلال حتى بلغ القمح عشرين درهماً الأردب‏.‏

ثم تراجع النيل ووفي ستة عشر ذراعاً بعدما زاد ثلاثة أيام متوالية أربعة أذرع ونصف ذراع‏.‏

وتلفت بسبب ذلك غلال كثيرة في الأجران فإنه زاد زيادة متتابعة على حين غفلة‏.‏

وكانت سنة شديدة واتفق فيها من الأمطار والفأر والمصادرات وغير ذلك عدة محن‏.‏

ومات فيها من الأعيان مجد الدين إبراهيم بن الأجل أبي هاشم علي بن الصدر الأديب أبي طالب محمد بن محمد بن محمد الفامغار - المعروف بابن الخميمي - في سادس عشر جمادى الأولى ومولده سنة تسع وأربعين وستمائة وحدث عن أبيه والرشيد العطار وغيره‏.‏

ومات الأمير إبراهيم ابن السلطان في رابع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة عمه الصالح علي بن

وتوفي الطيب الأديب شهاب الدين أحمد بن يوسف بن هلال الصفدي بالفاهرة عن سبع وسبعين سنة وله نظم حيد‏.‏

وتوفي الشيخ زين الدين عمر بن الجمالي أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني الدمشقي شيخ الشافعية بالقاهره في يوم الأربعاء سادس عشر رمضان‏.‏

وتوفي قاضي القضاة الشافعي بدمشق شهاب الدين محمد بن المجد عبدالله بن الحسين بن علي الأربلي الشافعي بعد ما ألقته بغلته بأسبوع في جمادى الأولى بدمشق‏.‏

وتوفي الشيخ زكي الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن ابن عبد الجليل المعروف بابن القوبع - القرشي التونسي المالك صاحب الفنون الكثيرة بالقاهرة عن أربع وسبعين سنة‏.‏

توفي شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السعداء شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن النقجواني في حادي عشرى المحرم ودفن بالقرافة‏.‏

وتوفي شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن قاضي حماة نجم الدين عبد الرحيم بن أبي الطاهر إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة في نصف ذي القعدة ومولده في خامس رمضان سنة خمس

ومات الأمير طغجي‏.‏

ومات الأمير أقول الحاجب‏.‏

ومات الأمير ظلظية كاشف الوجه القبلي‏.‏

ومات كاتب السر محيي الدين بن يحيى ابن فضل الله بن مجلي العمري في يوم الأربعاء تاسع رمضان‏.‏

وتوفي جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة وكان قد ولي قضاء دمشق بعد علم الدين الأخنائي ثم عزل‏.‏

 سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

في أول المحرم‏:‏ قبض على امرأة خناقة وقتلت‏.‏

وفيها قدم رسل الملك أزبك صحبة الأمير سرطقطاي مقدم البريدية بهدية وكتاب يطلب فيه مصاهرة السلطان فجهزت إليه هدية وأنعم على رسله وأعيدوا وكان سرطقطاي قد توجه رسولاً إلى أزبك سنة سبع وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وفيها قدم الخبر بأن القان الكبير عزم على المسير إلى العراقين وقدم أمامه عسكراً ليسير إذا

أخذ العراق إلى الشام‏.‏

فسار ثماني مراحل وبعث الله على ذلك العسكر ريحاً سوداء ثم صارت زرقاء تشتعل ناراً فيسقط الفارس وفرسه ميتين عند هبوبها وتمادى هبوبها يومين وكانوا زيادة على مائة ألف فارس فلم يرجع منهم إلى القان إلا نحو عشرة آلاف وهلك باقيهم‏.‏

فسر السلطان بذلك‏.‏

وفيها قدم الملك الأفضل محمد بن المؤيد إسماعيل صاحب حماة باستدعاء السلطان وقد كثرت شكاية الناس له من شغفه باللهو وأخذه أموال الرعية وقد شفع فيه الأمير تنكز نائب الشام فقدم الأفضل للسلطان والأمراء تقادم جليلة ثم سافر إلى بلده بعد ما وصاه السلطان بحضرة القضاة وعدد ذنوبه وأخبره أنه قبل فيه شفاعة نائب الشام ثم خلع عليه وسفره‏.‏

وفيها اشترى بدر الدين أمين الحكم ملكاً لبعص الأيتام فحضر إليه العلم القراريطي شاد القراريط يطلب منه موجب الديوان عن الملك المذكور فأفضي الحال بينهما إلى مفاوضة‏.‏

بمجلس قاضي القضاة عز الدين بن جماعة أطلق فيها العلم لسانه بما أوجب تعزيره فانصرف إلى النشو وعرفه أنه لما طالب أمين الحكم بالقراريط عزره ابن جماعة وكشف رأسه فحرك ذلك منه كامناً كان في نفسه من ابن جماعة وبلغ السلطان ذلك وشنع عليه بأن أمين الحكم لما امتنع من دفع القراريط عن الملك أخرج إليه العلم مرسوم السلطان وعليه محمد بن

قلاوون فأخذه منه ورماه بالأرض عند النعال وقال‏:‏ أتجعل في مجلس الحكم الباطل حقاً لتأخذ أموال الأيتام ثم كشف رأسه وضربه بالدرة‏.‏

فغضب السلطان وطلب أمين الحكم وأمر طاجار الدوادار بضربه فضربه على باب القصر بالقلعة والنشو جالس ضرباً مؤلماً وقطع أكمامه وشهره بالقلعة ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من يمنع الحقوق السلطانية وألزم بحمل عشرين ألف درهم ورسم عليه فقام بخمسة عشر ألف درهم‏.‏

وفي شهر ربيع الأول‏:‏ قبض على أوحد الدين شيخ خانكاه بيبرس وهو بالروضة تجاه مصر على حال غير مرض وأخرج إلى القدس منفياً‏.‏

وفيها قدم الخبر بأن ابن دلغادر استولى على قلعة طرندة من بلاد الروم وأخذ ما فيها من الأموال وأن الأمير تنكز بعث إليها الأمير علاء الدين علي بن صبح‏.‏

فسر السلطان بذلك وبعث بتشريف لابن دلغادر وشكره وأثنى عليه‏.‏

وفيه استقر الأمير بكتمر العلائي الأستادار في نيابة حمص بعد وفاة الأمير جركتمر‏.‏

وفيه أخرج الأمير منكلي بغا الفخري إلى دمشق واستقر من مقدمي الألوف بها‏.‏

وفيه أنعم على كل من قطليجا الحموي وطاجار الدوادار بإمرة طبلخاناه‏.‏

وفي ربيع الآخر‏:‏ قدم الأمير ألطنبغا نائب حلب وصحبته تقدمة جليلة وأخلع جليلة عليه

وفي تاسعه‏:‏ سارت الحرة المغربية عائدة إلى بلادها بعد قضاء حجها‏.‏

وفي حادي عشر جمادى الأول‏:‏ قدم الأمير تنكز نائب الشام‏.‏

وذلك أن ابنته التي تحت السلطان قرب وضع حملها فكتب السلطان يستدعيه - ومعه أهله وأولاده - لأجل مهم ابنته وتقدم السلطان إلى النشو بعمل بشخاناه وداير بيت من حرير مخمل ويزركشهما بمائة ألف دينار وأمره أن يجهز خمسين تشريفاً للأمراء منها ثلاثة وعشرين تشريفاً أطلس بحوائص ذهب كاملة وبقيتها ما بين طرد وحش ومصمط و طلب إليه أيضاً أن يجهز ما تحتاج إليه النفساء وما يحتاج إليه من السروج ونحوها وما يحتاج إليه المهم مما يبلغ زيادة على ثلاثمائة ألف دينار‏.‏

فأخذ النشو في التدبير لذلك ورتب جهاته من ثمن سكر وعسل وقندر وقماش وخشب يطرحه على الناس وعمل أوراقاً بمظالم اقترحها بلغت جلتها خمسمائة ألف دينار ومائة ألف أردب غلة وأعلم بها السلطان من الغد‏.‏

وطرح النشو ما عنده من البضائع على الناس بمصر والقاهرة حتى زلزلهما بكثرة العقوبة ولم يراع أحداً فخنق من ذلك الأمير الحاج آل ملك وبلغ السلطان ما نزل بالرعية من الظلم فلولا ما كان من ملاطفة الأمراء في الحال لكان له وللسلطان شأن غير مرضي‏.‏

فلما قدم البريد بتوجه الأمير تنكز من غزة إلى القاهرة بعث السلطان بالأمير قوصون إلى لقائه

ومعه المطبخ وركب السلطان إلى قصوره بسرياقوس ومعه أولاده فنزل قوصون السعيدية وهيأ الأسمطة الجليلة وتلقى الأمير تنكز وترجل إليه فنزل الأمير تنكز أيضاً ومشيا خطوات حتى تعانقا وركبا إلى الخيمة التي نصبها السلطان للأمير تنكز‏.‏

فلما انقضى السماط ركب تنكز فتلقاه أولا أولاد السلطان فترجل لهم ثم سار وهم معه فتلقاه السلطان وأكرمه غاية الكرامة‏.‏

ثم سار السلطان من الغد وطلع قلعة الجبل وخلع عليه وعلى أولاده وأمرهم فدخلوا وأهليهم إلى الدور‏.‏

وفيه رسم بخروج الأمير ألطنبغا نائب حلب إلى نيابة غزة وخلع عليه فاتهم الأمير تنكز بأنه حمل السلطان على ذلك‏.‏

ونزل الأمير تنكز من القلعة إلى بيته بخط الكافوري من القاهره وجهز به تقادم السلطان وتقادم الأمراء وحملها من الغد وكانت شيئاً يجل عن الوصف‏:‏ فيها من صنف الجوهر ما قيمته ثلاثون ألف دينار ومن الزركش عشرون ألف دينار ومن أواني البلور وتعابي القماش والخيل والسروج والجمال البخاتي ما قيمته مائتان وعشرون ألف دينار‏.‏

فلما انقضت نوبة التقادم أدخله السلطان إلى الدور حتى رأى ابنته وقبلت يده‏.‏

ثم أخرج السلطان إليه جميع بناته وأمرهن بتقبيل يده وهو يقول لهن واحدة بعد واحدة‏:‏ ‏"‏ بوسي يد عمك ثم عين منهن اثنتين لولدي

وتقدم السلطان إلى النشو بتجهيز تنكز إلى الصعيد للصيد ثم ركب وتوجه إلى بلاد الصعيد وتنكز معه فكان من إكرامه له في هذه السفرة ما لا عهد من ملك مثله‏.‏

فلما عاد السلطان أمر النشو بتجهيز كلفة عقد ابني تنكز على ابنتيه وكلفة سفر تنكز إلى الشام‏.‏

فأخذ النشو أموال التجار وغيرهم وجمع أربعة عشر ألف دينار حمل منها برسم المهر أربعة ألاف دينار وجهز تنكز باثني عشر ألف دينار‏.‏

وعقد لولدي تنكز على ابنتي السلطان في بيت الأمير قوصون بحضرة القضاة والأمراء‏.‏

ثم ولدت ابنة تنكز من السلطان بنتاً فسجد تنكز لله شكراً بحضرة السلطان وقال‏:‏ وا لله يا خوند‏!‏ كنت أتمنى أن تكون المولودة بنتاً فإنها لو وضعت ذكراً كنت أخشى من كمال السعادة‏.‏

فإن السلطان تصدق علي بما غمرني به من السعادة فخشيت من كمالها‏.‏

وأخذ السلطان مع النشو في تجهيز تنكز على عادته وأمره أن يضاعف له ما جرت به عادته من الخيل والتعابي ورتب السلطان ذلك بنفسه فكانت قيمته مائة وخمسين ألف دينار عيناً وكان تنكز قد أقام مدة شهرين وراتبه السلطاني في كل يوم أربعة آلاف درهم‏.‏

فلما وادع تنكز السلطان سأله في إعفاء الأمير كجكن من الخدمة وأن ينعم عليه بسفر لؤلؤ الحلبي إلى الشام ليستقر في شد عداد الأغنام وأن ينقل الأمير بيبرس الحاجب من حلب إلى

دمشق وأن ينعم على قرمشي بإمرة ويستقر حاجباً بدمشق عوضاً عن علاء الدين بن صبح فأجابه السلطان إلى ذلك كله وكتب له تقليداً بتفويض الحكم في جميع المماليك الشامية بأسرها وأن جميع نوابها تكاتبه بأحوالها وأن تكون مكاتبته‏:‏ أعزالله أنصار المقر الشريف بعدما كانت ‏"‏ أعزالله أنصار الجناب وأن يزاد في ألقابه‏:‏ الزاهدي العابدي العالمي كافل الإسلامي أتابك الجيوش‏.‏

وأنعم السلطان على مغنية قدمت معه من دمشق بعشرة ألاف درهم وحصل لها من الدور ثلاث بدلات زركش وثلاثون تعبيه قماش وأربع بدلات مقانع وخمسمائة دينار مبلغ متحصلها نحو سبعين ألف درهم‏.‏

ثم كان آخر ما قال له السلطان‏:‏ ‏"‏ أيش بقى لك حاجة أو في نفسك شيء أقضيه قبل سفرك فقبل تنكز الأرض وقال‏:‏ والله يا خوند ما بقي شيء أطلبه الا أن أموت في أيامك فقال السلطان‏:‏ لا إن شاء الله‏.‏

يا أمير تعيش أنت وأكون أنا فداك أو أكون بعدك بقليل‏.‏

فقبل تنكز الأرض وانصرف وقد حسده جميع الأمراء وكثر حديثهم فيما حصل له من الكرامة والمعزة‏.‏

واتفق ما قاله السلطان فإنه لم يقم بعد موت تنكز إلا قليل ومات كما سيأتي ذكره‏.‏

وفيها أنعم على الأمير يلبغا اليحياوي بالمنزلة من أعمال أشوم فركب إليها النشو وحفر لها

وفيه استقر علاء الدين علي بن الكوراني في ولاية الغربية عوضاً عن آفبغا السيفي واستقر شهاب الدين بن الأز كشي في ولاية الأشمونين عوضاً عن ابن الكوراني واستقر نجم الدين أيوب في ولاية الشرقية عوضاً عن ابن الأزكشي‏.‏

وفي مستهل جمادى الأولى‏:‏ صلى صلاة الغائب بمصر والقاهرة على قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني فاستقر عوضه الشميخ تقي الدين علي بن السبكي‏.‏

وفيه أخرج آقوش الزيني إلى حلب‏.‏

وفبه أخرج الأمير عز الدين أيدمر العمري إلى صهيون وأنعم بإقطاعه على ولده أبي بكر فأحاط النشو بموجوده وأخذ له ثمانين ألف دينار‏.‏

وفيه قدم البريد بأن التركمان ساقوا إلى دمشق عشرين ألف رأس من الغنم ليبيعوها بالقاهرة فلما حضرت رسم ألا يؤخذ منهم المقرر وهو أربعة دراهم الرأس يؤخذ عن كل مائة درهم خمسة دراهم‏.‏

وكان التركمان قد شكوا من أزدمر والي بهنسا فكشف عنه فوجد أنه كثر ظلمه وأخذه لأموال الرعية فأحيط بضياعه وأمواله وأنعم ببعض ضياعه على الأمير تنكز نائب الشام ووقف بعضها على قلعة طرندة ببلاد الروم‏.‏

وفيها قدم الشريف مبارك بن عطيفة بخيله فسجن مع أبيه لكثرة إفساده بالحجاز وفيها اتفق

موت ابنة الأمير الكبير شمس الدين إلدكز المنصوري - زوجة الأمير ناصر الدين بن المحسني بعد عودها من طرابلس عن بنت وأخت وزوج فأخذ النشو جميع مخلفها وكان شيئاً كثيراً‏.‏

وفيها مات بعض الكتاب وترك بيتاً على الخليج فلم يجسر أحد يشتريه إلى أن قلبته ابنة الأمير قطز بن الفارقاني لتشتريه فلم يعجبها فألزمها النشو أن تشتريه بمائة ألف درهم فمازالت به حتى صالحها على شيء حملته وتركها‏.‏

وفيها هلك بطريق النصارى الأقباط فنزل النشو في الكنيسة وأخذ كل ما فيها كل حاصل ذهب وفضة وشمع وغيره‏.‏

وفيها ماتت امرأة ظلظية الكاشف وقد تزوجت بعده وخلفت ولداً ذكراً فأخذ النشو موجودها كله بحجة أن ظلظية أخذ مال السلطان وتركه بعد موته عندها‏.‏

وفيها ظفر النشو بحلي لنساء أمين الدين قرموط فأغري به السلطان حتى سلم ولده وصهره وأهله لوالي القاهرة‏.‏

وفيها جدد النشو الطلب على أولاد التاج إسحاق وعوقب نساءهم حتى مات بعضهن من العقوبة‏.‏

وفيها طلب النشو المال الحاصل بالمارستان المنصوري فقام الأمير سنجر الجاولي في ذلك حتى أن ابتيع للوقف من أراضي بهتيت من الضواحي مائتان وخمسون فداناً وأربعمائة ألف درهم وحملت إلى النشو‏.‏

وفيها قبض على شهاب الدين أحمد بن محيي الدين يحيى بن فضل الله في رابع عشرى شعبان‏.‏

وسببه أن الأمير تنكز لما سأل السلطان أن يولي علم الدين محمد ابن القطب أحمد بن مفضل كاتب السر بدمشق وأحابه السلطان وخلع عليه حدث شهاب الدين السلطاني في أمره وقال‏:‏ هدا رجل قبطي لا يدري هذه الصناعة فلم يعبأ بقوله‏.‏

ثم رسم السلطان أن تكثر ألقاب علم الدين ويزاد في معلومه فامتنع شهاب الدين من ذلك واحتد خلقه وفاجأ السلطان بقوله كيف يكون رجل أسلمى ملته كاتب السر وتزيد في حامكيته ما يفلح من يخدمك وخدمتك علي حرام ونهض من بين يدي السلطان قائماً‏.‏

فما شك الأمراء في أن السلطان يضرب عنقه فرعى فيه حق أبيه و لم يؤاخذه‏.‏

ودخل شهاب الدين على أبيه محيي الدين وعرفه ما كان منه فخاف خوفاً شديداً وقام مع الأمراء في ترقيع هذا الخرق ودخل إلى السلطان فقبل الأرض وطلب العفو فعرفه السلطان أنه لأجله حلم عليه وصفح عنه ورسم أن يدخل ابنه علاء الدين علي في المباشرة عنه عوضاً عن شهاب الدين‏.‏

فاعتذر محيي الدين بأن ابنه علاء الدين صغير لا ينهض أن يقوم بأعباء الوظيفة فقال‏:‏ السلطان‏:‏ أنا أربيه كما أعرف‏.‏

فباشر علاء الدين عن أبيه إلى أن مات أبوه وشهاب الدين منقطع بداره طول تلك المدة من الغبن‏.‏

فلما كان في يده هذه السنة شكا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة أنه كتب توقيع لابن الأنصاري برجوعه إلى مباشرته ورماه بقوادح‏.‏

فطلب السلطان الأمير طاجار وأنكر عليه فأحال على علاء الدين بن فضل الله أنه أعطاه قصته‏.‏

فطلب السلطان علاء الدين وأنكر عليه فاعتذر بأن أخاه شهاب بعث بها إليه فاستقبح ردها عليه فقال له السلطان‏:‏ لا تكن تسمع من أخيك فإنه نحس وما يقعد حتى أفعل به وأفعل به فلم تمض إلا أيام حتى رفع شهاب الدين قصة يشكو فيها كثرة كلفه ويطلب الإذن بالتوجه إلى دمشق فذكر السلطان بنفسه وأمر به فقبض عليه وحمل إلى القلعة‏.‏

ورسم السلطان لطاجار والدوادار أن يعريه في قاعة الصاحب ويضربه حتى يلزم بحمل عشرة ألاف دينار أو يموت تحت العقوبة فعندما عراه طاجار رجف فؤاده وارتعدت مفاصله فإنه كان ترفاً ذا نعمة لم تمر به شدة قط فكتب خطه بعشرة ألاف دينار‏.‏

ووقعت الحوطة على موجوده وأخذ له نحو خمسين ألف درهم وباع قماشه وأثاثه وأملاكه بدمشق حتى حمل مائة وأربعين ألف درهم وسكن الطلب منه‏.‏

وفيها وشى النشو بالأمير أقبغا عبد الواحد أن له خمسة ألاف رأس من الغنم قدمت من بلاد

الصعيد ورعت براسيم الجيزة ومضت إلى الغربية فرعت الزرع فطلبه السلطان وأخرق به فلولا شاء الله أن يتلطف الأمير بشتاك في أمره وألا أوقع به المكروه‏.‏

وفيها خلع على الأمير عز الدين أيدمر كاشف الوجه القبلي واستقر في كشف الوجه البحري‏.‏

وفيها أنشأ السلطان القناطر بجسر شيبين‏.‏

وذلك أن بلاد الشرقية كانت لا تروى إلا من بحر أبي المنجا وفي أكثر السنين تشرق بلاد العلو منها مثل مرصفا وسنيت وكان للأمير بشتاك بها ناحية شرقت فركب السلطان للنظر في ذلك وصحبته المهندسون وكشف عدة مواضع وكان له بصر جيد وحدس صحيح فوقع اختياره على عمل جسر من شيبين إلى بنها العسل وتعمر عليه قناطر لتحبس الماء فإذا فتح بحر أبي المنجا امتلأت المخازن رجع الماء إلى هذا الجسر ووقف عليه فوافقه المهندسون على ذلك‏.‏

ورجع السلطان إلى القاهرة فكتب إلى الأعمال بجمع اثني عشر ألف راجل وتجهيز مائتي قطعة جراريف‏.‏

فلم تمض إلا أيام حتى قدم مشدو البلاد بما عليهم من الرجال وشرعوا في العمل حتى تم في ثلاثة أشهر وكان يصرف في كل يوم أجرة رجال وثمن كلف مبلغ أربعين ألف درهم من مال النواحي التي للأجناد‏.‏

فلما كانت أيام النيل أبطل السلطان وفتح عوضه سد شيبيني فرويت البلاد كلها وروي ما لم يكن يروى قبل ذلك واستنجزت عدة أماكن‏.‏

وفيها قدم أمير أحمد ابن السلطان من الكرك باستدعاء للعبه وشغفه ببعض شباب أهل الكرك وإسرافه في العطاء لواحد منهم اسمه الشهيب وكان جميل الصورة وقد هام به أمير أحمد غراماً وتهتك فيه‏.‏

فلم يخرج أحد من الأمراء إلى لقائه فطلع مع بكتاش النقيب وحده فتلقاه طاجار من باب القلة ودخل به حتى قبل الأرض ووقف واسعة ثم رسم له بتقبيل اليد ومضى إلى الدور من غير أن يقبل السلطان عليه‏.‏

وأمر السلطان بعقوبة الشاب الذي كان يهواه حتى يحضر المال الذي وهبه له فبعث أحمد إلى الأمراء بسببه حتى عفى عنه ومازال يجد في أمره إلى أن أذن له أن يدخل عليه ويقيم عنده‏.‏

وفيها أنعم السلطان على الأمير ملكتمر الحجازي بإقطاع بهادر المعزي بعد موته وزاده النحراوية وكانت عبرتها في الشهر سبعين ألف درهم‏.‏

وفيها توجه الأمير تنكز نائب الشام من دمشق يريد بلاد سيس لكشف البلاد التي أنعم بها عليه فمر على حماة ونادى بها ألا يقف أحد لملك الأمراء بقصة ومن كانت له حاجة فعليه بصاحب حماة وخلع على صاحب حماة‏.‏

ومضى تنكز إلى حلب ودخل بلاد سيس فأهدى إليه تكفور هدية سنية مع أخيه فقبلها وخلع عليه وعمر تنكز تلك الضياع بالرجال والأبقار والغلال وعاد‏.‏

وفيها عملت أوراق بما على الدولة من الكلف فبلغت نحو مائتين وثمانين ألف درهم في الشهر فوفر السلطان منها ما يصرف للمباشرين والأمراء من التوابل ووفر شيئاً من مصروف العمائر ووفر الدجاج المرتب برسم السماط والمخافي الخاصة بالسلطان والمخافي التي تحمل الطيور المطبوخة كل يوم إلى الأمراء وعدتها سبعمائة طائر في كل يوم فكانت جملة ما توفر في كل شهر مبلغ تسعين ألف درهم‏.‏

واتفق بعد ذلك أن السلطان طلب أربعة أطيار دجاج فكتب بها وصول من بيت المال فاستقبح الناس ذلك ونسب توفير ما توفر إلى النشو‏.‏

وفيها التزم النشو بتدبير الدولة على أن يتسلم الجهات فأجيب إلى ذلك‏.‏

فطلب السلطان الشمس نصر الله وخلع عليه واستقر به نظر الجهات عوضاً عن وخلع على تاج الدين أحمد بن الصاحب أمين الدين عبدالله بن الغنام واستقر به نظر الدولة عوضاً عن العلم بن فخر الدولة وولي استيفاء الصحبة كريم الدين أخو تاج الدين المذكور‏.‏

وجلس النشو في قاعة الصاحب بالقلعة وضرب يعقوب مستوفي الجهات بالمقارع وألزمه بمال كثير وألزم جميع مباشري الدولة من الكتاب والشهود والشادين بحمل معالميهم المقررة لهم عن أربعة أشهر واحتج عليهم بأنهم أهملوا مال السلطان فاستعاد من الجميع جوامك أربعة أشهر وقطع عليق جميع الأمراء والدواوين وبعض الخاصكية وطلب أرباب الأموال من أهل النواح وأوقع الحوطة على موجودهم ولم يدع من يشار إليه بغني أو زراعة إلا وألزمه بمال‏.‏

حتى مشى على والي المحلة فإنه بلغه عنه أنه جمع مالاً كثيراً فعاقبه وأخذ منه ثلاثين ألف درهم‏.‏

وكتب النشو لجميع الولاة بشراء الشعير ودفع عنه ثلاثة دراهم الأردب وعن الحمل التبن درهماً‏.‏

فشكا الجند ذلك فلم يلتفت السلطان إليهم‏.‏

وفيها استقر المخلص أخو النشو مباشر ديوان الأمير آنوك ابن السلطان وخلع عليه تشريف من الخزانة بألف وستمائة درهم وجهز له حمار بألف درهم وعدته بخمسمائة درهم‏.‏

وفيها كانت وقعة بين ابن دلغادر نائب أبلستين وبين الروم قتل فيها خمسمائة نفس ونهب ابن دلغادر من أموال الروم شيئاً كثيراً رد منه بعدما اصطلحا نحو عشرين ألف رأس ما بين غنم وخيل وحمال‏.‏

وفيها كثرت مصادرة النشو للناس من أهل مصر والقاهرة والوجه القبلي والوجه البحري حتى خرج في ذلك عن الحد وادغر الناس على اختلاف طبقاتهم‏.‏

وفيها استقر زين الدين عمر بن محمد بن عبد الحاكم البلقيائي في قضاء القضاة الشافعية بحلب عوضاً عن فخر الدين عثمان بن علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين‏.‏

وفيها استقر شهاب الدين أحمد بن فخر الدين أحمد بن قطب الدين إسماعيل بن يحيى

وفيها حدثت زلزلة بطرابلس في رجب هلك فيها ستون إنساناً‏.‏

وفيها انتهت زيادة النيل ستة عشر ذراعاً وعشر أصابع فلم ترو الأراضي كلها وغرق كثير منها وتحسنت أسعار الغلال وكانت سنة كثيرة الحوادث‏.‏

ومات فيها من الأعيان جمال الدين أحمد بن شرف الدين هبة الله بن المكين الإسنائي الفقيه الشافعي بإسنا وقد جاوز السبعين في شوال‏.‏

وتوفي الأديب أبو المعالي خضر بن إبراهيم بن عمر بن محمد بن يحيى الرفا الخفاجي المصري عن تسع وسبعين سنة‏.‏

وتوفي خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي‏.‏

وتوفي قاضي الشافعيه بحلب فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين الفقيه الشافعي بالقاهرة في المحرم وله مصنفات في الفقه والأصول‏.‏

وتوفي علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الجندي الفقيه الحنفي بالقاهرة عن أربع وستين سنة‏.‏

ومات أمير علي بن أمير حاجب كان والي مصر وأحد أمراء العشرات وكانت وفاته وهو معزول وقد عني بجمع القصائد النبوية حتى كمل عنده منها خمسة وسبعون مجلداً‏.‏

ومات الأمير سيف الدين بهادر المعزي أحد أمراء الألوف في ليلة الجمعة تاسع شعبان وبلغت تركته مائة ألف دينار أخذها النشو‏.‏

ومات علم الدين عبدالله بن كريم الدين الكبير‏.‏

ومات ناظر الجيش بدمشق فخر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله بن نجم الدين أحمد بن علي المعروف بابن الحلي بالقدس وكان قد قدم إليها فولي عوضه نظر الجيش بدمشق جمال الدين سليمان بن ريان الحلبي‏.‏

وتوفي قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد ابن عبد الكريم القزويني الشافعي بدمشق في يوم الأحد خامس عشر جمادى الآخرة ومولده بالموصل في سنة ست وستين وستمائة‏.‏

ومات الحافظ علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزلي بخليص وهو محرم في رابع ذي الحجة عن أربع وسبعين سنة‏.‏

ومات الأمير علم الدين بن هلال الدولة بقلعة شيزر بعدما ولي بالقاهرة شد الخاص وشد

ومات السعيد بن الكردوش وأخذ له النشو بعد موته خمسة عشر ألف دينار‏.‏

ومات الأمير بدر الدين بيليك المحسني بطرابلس بعدما كان والي القاهرة‏.‏

وتوفي المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الجزري الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة‏.‏

وتوفي بدر الدين محمد بن عز الدين محمد بن عبد القادر ابن الصائغ الأنصاري الدمشقي الشافعي‏.‏